Font size increaseFont size decrease

الاستمطار: التقدم العلمي في عصر التضليل

بقلم الدكتور محمد محمود، المدير المؤسس لبرنامج المناخ والمياه في معهد الشرق الأوسط

لعل مفهوم الاستمطار يرتبط في أذهان الكثيرين بأفلام الخيال العلمي.

وهي فكرة تعززها وسائل الإعلام الترفيهية التي تروج لفكرة خاطئة مفادها أن البشر قادرون على التحكم المباشر في المناخ (مثل فيلم Geostorm لعام 2017 الذي أكد على هذه المبالغة الخيالية في تقدير علاقتنا بالطقس). ويستمر هذا التفسير الخيالي للاستمطار على الرغم من حقيقة أن الاستمطار ممارسة قائمة منذ أكثر من خمسين عامًا في أكثر من اثنتي عشرة دولة.

ويمكن أن يُعزى هذا الخلط في المفاهيم إلى نقص المعرفة العامة بالموضوع، مما يؤدي إلى تفسيرات عامة خاطئة ونظريات مؤامرة. وكان أحدث مثال على ذلك العواصف والفيضانات التي شهدها شبه الجزيرة العربية في شهر أبريل الماضي والتي ألقي اللوم فيها في بادئ الأمر على الاستمطار. ومنذ ذلك الحين، دحض العديد من الخبراء والمقالات هذا الادعاء غير الصحيح من خلال وصف دقيق للعوامل المرتبطة بالمناخ والتي أدت إلى وقوع مثل هذه العواصف غير المسبوقة.

ولكن هذا الشك العام تجاه الاستمطار لا يزال يشكل عائقاً أمام تنفيذ هذه الاستراتيجية. ويرجع هذا أحيانًا إلى غياب الفهم. ولكن في أوقات أخرى قد تتعزز هذه النظرة السلبية للاستمطار نتيجة أسباب أخرى أقل ارتباطًا بالشك، مثل الأجندات السياسية. وأتذكر أنني قدمت قبل عدة سنوات عرضاً تقديمياً أمام عدد من المسؤولين المحليين المنتخبين لشرح علم الاستمطار وتطبيقاته.

وحتى خلال ذلك العرض الموضوعي والتعليمي، جادلني أحد المسؤولين الذي لم يكن لديه أي خلفية علمية على الإطلاق بأن الاستمطار يستنزف بخار الماء من الغلاف الجوي بالكامل. وبصفتي عالماً، كان علي أن أعزو هذا المنطق الخاطئ إلى دوافع سياسية أكثر منها علمية، حيث أن تفسيراً آخر يعني وجود فجوة معرفية كبيرة في فهم المفاهيم العلمية الأساسية كدورة المياه.

وتسلط هذه الحادثة الضوء على قضية أخرى تعوق جهود الاستمطار والبحث العلمي بشكل عام. فقد أدى انتشار منصات التواصل الاجتماعي التي مكنت أي شخص من التعبير عن وجهات نظره إلى نتائج عكسية مؤسفة، حيث يميل معظم متابعي مشاهير التواصل الاجتماعي إلى قبول آراء ومواقف هذه الشخصيات على أنها حقائق مسلمة.

وعندما تتعارض هذه الآراء مع العلم والأسس المنطقية، فإن الخبراء المتخصصين في تلك المجالات يتعرضون للتشهير والتشكيك حين يحاولون توضيح وتصحيح المعلومات التي انتشرت على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وتتجلى هذه الظاهرة في مجالات علمية أخرى غير الاستمطار.

والحقيقة هي أن الاستمطار يعتمد على العلم والجوانب الأساسية لفيزياء الغلاف الجوي المتعلقة بالسحب وكيفية تشكل الأمطار والثلوج. وهو عبارة عن استراتيجية تحفز السحب والعواصف لاستدرار المزيد من مياه الأمطار، وذلك للمساعدة في مكافحة الجفاف دون التأثير سلبًا على البيئة.

ويمكن الإجابة على العديد من الأسئلة التي تدور في أذهان أولئك الذين يسمعون عن الاستمطار للمرة الأولى بشكل واضح ومنطقي. لكن ينبغي للباحثين عن الإجابات أن يضعوا تحيزاتهم وأجنداتهم جانباً، وأن يكونوا على استعداد للاستماع إلى الخبراء والعلماء المتخصصين في هذا المجال. وإلا فإن المعلومات المضللة ستستمر في سد الفجوة المعرفية لدى عامة الناس، مما يشكل نتيجة عكسية بالنسبة لجهود الاستمطار والمجتمع العلمي ككل.