الاستمطار: حل مبتكر لتعزيز المرونة المناخية وتحقيق الاستدامة البيئية
مقال بقلم علياء المزروعي، مديرة برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار
في ظل تفاقم التغير المناخي وتصاعد ندرة المياه، برزت تقنيات الاستمطار، ومنها تلقيح السحب، كحل مبتكر يساهم في تعزيز إمداداتنا من المياه. لكن تتخطى فوائد الاستمطار الأمن المائي، إذ يتمثل أهم أهداف تلك التكنولوجيا في زيادة هطول الأمطار وتأمين الموارد المائية المستدامة، مما ينعكس إيجاباً على جهود التكيف مع التغير المناخي، وتطوير قطاع الزراعة، ومكافحة التلوث، وإيجاد حلول مكمّلة لتقنيات المياه الحالية.
ويشكّل تلقيح السحب أحد أساليب تعديل الطقس حيث يتم محاكاة الظروف التي تؤدي إلى هطول الأمطار طبيعياً في السحب الماطرة من خلال زيادة حجم القطرات المائية بإضافة جزيئات خاصة يمكنها تسريع وتحفيز التكثيف والتوصيل الحراري. وتعتمد عمليات الاستمطار في دولة الإمارات على مواد التلقيح الاسترطابية، مثل كلوريد البوتاسيوم وكلوريد الصوديوم، إضافة إلى استخدامها مؤخراً لمادة مبتكرة تتكون من كلوريد الصوديوم وطلاء طفيف من ثاني أكسيد التيتانيوم يسمى NaCl-TiO2.
ويساهم الاستمطار في تعزيز إمدادات المياه في المناطق القاحلة أو شبه القاحلة أو المعرضة للجفاف، مما يوفر وسيلة احتياطية ضرورية لسد نقص المياه. واستثمرت دول عديدة، منها الصين وأستراليا ودولة الإمارات، بكثافة في مشاريع تلقيح السحب لمكافحة حالات الجفاف المتواصلة وضمان إمدادات موثوقة من المياه لسكانها. وفي ظل التوقعات التي تشير إلى أن ما يقارب نصف عدد سكان العالم سيواجهون أزمة شح المياه بحلول عام 2030 وفقاً للأمم المتحدة، يشكّل الاستمطار حلا مكمّلا ووسيلة فعالة من حيث التكلفة لرفد إمدادات المياه الحالية.
لكن تتجاوز فوائد الاستمطار مجرد ضمان الأمن المائي حالياً، إذ تسهم زيادة معدلات الأمطار في تعزيز جهود التكيف مع التغير المناخي، والتخفيف من آثار موجات الجفاف الطويلة ودعم استقرار المناخ المحلي، فضلاً عن منع التصحر والحد من مخاطر حرائق الغابات والمحافظة على مستويات المياه الجوفية لا سيما في المناطق التي تشهد تقلبات مناخية شديدة. ومن هنا يمثل تعزيز هطول الأمطار عنصراً بالغ الأهمية لتأمين الموارد المائية، وتوفير ظروف مناخية متوقعة ومستقرة، إضافة إلى تحقيق أهداف الاستدامة على المدى البعيد.
ومع استمرار ارتفاع عدد سكان العالم، يرتفع الطلب على المياه العذبة إلى مستويات غير مسبوقة، مما يزيد من تفاقم النقص الحالي في موارد المياه. كما أن التوسع الحضري والضغط المتزايد على إمدادات المياه البلدية يفرضان إيجاد حلول مستدامة. وقد يساعد الاستمطار على مواجهة هذه التحديات عبر زيادة توافر الموارد المائية في المناطق المكتظة بالسكان. ومن خلال تحفيز الأمطار اصطناعياً، تستطيع المدن مواكبة الطلب المتنامي على المياه وتلبية احتياجات سكانها، مما يمنع اندلاع أزمات مائية ويدعم التنمية الحضرية المستدامة.
كما تعدّ الزراعة قطاعاً رئيسياً آخراً يستفيد من تحسّن مستويات الأمطار، إذ يوفر الهطول الموثوق والمتزايد للأمطار كميات كافية من المياه لري المحاصيل، ما يشكّل أمراً بالغ الأهمية بالنسبة للمناطق التي تعتمد على الزراعة البعلية. كما يساعد تحسّن مستويات الأمطار على زيادة إنتاج المحاصيل ورفع مستويات رطوبة التربة وتقليص الاعتماد على أنظمة الري الاصطناعي، وبالتالي تقليل البصمة الكربونية. ومن خلال دعمه للأمن الغذائي، يلعب الاستمطار دوراً محورياً في تقليل العبء المالي على المزارعين الذين يتكبدون تكاليف إضافية للري.
ويشكّل الاستمطار كذلك أداة فعالة في مكافحة التلوث، حيث تساعد زيادة هطول الأمطار على تنقية الغلاف الجوي عبر إزالة الملوثات والجسيمات المحمولة جواً، مما يحسّن جودة الهواء. ويسهّل تحسّن مستويات الأمطار عملية الغسل الطبيعي للملوثات من الأسطح إلى أنظمة المياه، مما يزيد من القدرة على معالجتها بفعالية أكبر، فضلاً عن تقليل تركّز الملوثات في المناطق الحضرية، الأمر الذي يسهم في بناء بيئات أكثر صحة ويقلل المخاطر المرتبطة بتلوث الهواء والأسطح على الصحة العامة.
لا يمكن النظر إلى الاستمطار بمعزل عن استراتيجيات إدارة المياه القائمة، بل يجب تبنيه كوسيلة مكملة للإدارة المائية والتي تضم محطات تحلية المياه، وبرامج إعادة تدوير المياه، وأنظمة الري الفعالة وغيرها من التقنيات التي قد تستهلك موارد كثيرة وترتفع تكلفتها. ويوفر الاستمطار حلاً مكملاً وفعالا من حيث التكلفة لتخفيف الضغط على هذه الأنظمة. ومن خلال دمج الاستمطار مع تقنيات المياه الأخرى، يمكننا إنشاء بنية تحتية أكثر متانة ومرونة لإدارة المياه.
إن الاستمطار ليس حلاً سحرياً، فهو يواجه مجموعة من التحديات والقيود التي تصاحب أي تقنية أخرى، رغم ذلك يظل الاستمطار أحد الحلول الواعدة نظراً لفوائده العديدة على الصحة البيئة والمجتمع، لا سيما في ظل تأزّم التحديات المائية حول العالم، مما يجعل من الضروري الاستفادة من كل الخيارات المتاحة، بما في ذلك الاستمطار.
كما يجب مواصلة الاستثمار في أعمال البحث والتطوير من أجل التطوير المستمر لهذه التقنيات والتعامل مع أي مخاوف بيئية محتملة ودمجها بفعالية مع استراتيجيات إدارة المياه الأخرى مما يسهم في توسيع نطاق فوائد هذه التقنية لضمان مستقبل أكثر مرونة واستدامة للجميع.